مرعب الروم وأعظم حكام زمانه 

هارون الرشيد 

بقلم الكاتبة/ خضره بكر 

أشهر خلفاء المسلمين بعد الخلافه الراشده وخامس حكام الدوله العباسيه مؤسس العصر الذهبي للحضاره الاسلاميه هارون الرشيد .

فياتري من هو هارون الرشيد وما هي انجازاته وكيف انتصر علي جيوش الروم وأذل امبراطورهم وهل هو شخص عظيم أم هو شخص سيئ وفاسد ؟

تبدأ الحكايه من مدينه الري في بلاد فارس سنه ١٤٩ه‍ ٧٦٦م أنجب محمد المهدي ابن أبي جعفر المنصور من زوجته الخيزران بنت عطاء ابنهم هارون المعروف باسم هارون الرشيد، كان المهدي والد هارون الرشيد هو حاكم إقليم خرسان وطبرستان في عهد والده الخليفه العباسي الثاني أبو جعفر المنصور سنه ١٥١ه‍ عين ابو جعفر المنصور ابنه المهدي واليا للعهد فانتقلت أسرة هارون الرشيد من مدينه الري إلي بغداد وهناك عاش هارون الرشيد طفولته بين أولاد الأمراء والقاده العباسيين وكعاده الامراء تربي هارون الرشيد في صغره علي يد عده علماء مشهورين من بينهم العالم ابو الحسن الكسائي في اللغه العربيه والنحو والعالم المفضل الضبي في الشعر والادب وكان معظم وقت هارون الرشيد مخصص لدراسه القرآن الكريم والحديث وعلوم الشريعه، عين محمد المهدي يحي بن خالد البرمكي مربي وكاتب لهارون الرشيد والذي كان له دور هاما فيما بعد.

-وفي ذلك الوقت سنه ١٥٨ه‍ ٧٧٤م تولي محمد المهدي الخلافه بعد أبي جعفر المنصور كثالث خلفاء بنى الدوله العباسيه ، عمل الخليفه المهدي علي إعداد ابنه هارون الرشيد ليكون مجاهد في المستقبل من خلال تدريبه علي الفروسيه والقتال وفنون الحرب ،وفي عمر ١٥ سنة عين المهدي ابنه هارون قائد علي جيش كبير يضم العديد من الامراء وأرسلوه لغزو الإمبراطورية البزنطيه سنه ١٦٣ه‍ ٧٧٩م وعلي الرغم من صغر سنه إلا أنه أظهر براعه في قياده الجيش واستطاع فتح قلعه روميه بعد حصار استمر لمدة شهر وعاد بالجيش إلي بغداد سالم محمل بالغنائم واستقبله اهل بغداد استقبال حافل ومكفأءه له عينه والده المهدي والي علي اقليم اذربيجان وأرمنيا وتزوج هارون الرشيد بنت عمه زنيده بنت جعفر، وبعد نجاحه في هذه الحمله العسكريه أرسله والده الخليفه المهدي مره اخري علي رأس جيش بلغ عدده ٩٥الف جندي إلي بلاد الروم ولكن الجديد في هذه الغزوه أن الجيش العباسي بقياده استطاع هزيمه اثنان من الجيوش البيزنطيه ووصل هارون الرشيد وجنوده الي مضيق البسفور الذي يطل علي مدينه القسطنطينية فاضطرت الامبراطورة ايرين بطلب الصلح وذالك مقابل انها تدفع جزيه سنويه للخليفه المهدي قيمتها سبعين الف دنيار وعاد هارون الرشيد منتصرا للمره الثانيه إلي عاصمه الخلافه العباسيه وفرح بيه الخليفه المهدي ومنحه لقب الرشيد .

وعند ولايته العهد كان للخليفه المهدي وزوجته الخيزران ولدان هما موسي الهادي وهارون الرشيد وكان موسي الهادي هو الأكبر سناً وكان هو ولي العهد ويقيم في مدينه جورجان.

وأشارت الخيزاران علي زوجها المهدي بخلع ابنه موسي الهادي من الخلافه وتعين هارون الرشيد بدلا منه لذكاءه وكفاءته فوافق الخليفه المهدي علي ذلك وارسل لابنه الهادي يطلب منه الرجوع لبغداد لكن موسي الهادي عرف رغبه والده ورفض الرجوع للعاصمه فغضب المهدي منه وجهز جيش وذهب بيه الي جورجان ومعه ابنه هارون الرشيد لكن في الطريق تنتهي حياه المهدي ويعلن هارون الرشيد تبعيته للخليفه موسي الهادي وبايعه بالخلافه ويتولي الهادي الخلافه سنه ١٦٩ه‍ ٧٨٥م ويكون هارون الرشيد هو وليّ عهده لم يستمر موسي الهادي في الحكم لفتره طوليه وكانت مده خلافته هي سنه وثلاثه اشهر وتولي من بعده الخلافه هارون الرشيد سنه ١٧٠هج ٧٨٦م وهو عمره ٢٢سنه فقط. 

ومن بين أعمال هارون الرشيد :_

تعين يحي بن خالد البرمكي مدير له وفوضه في جميع اداره شئون الحكم في الدوله العباسيه هو وأولاده ، كان هارون الرشيد يعتبر يحي البرمكي في مكانته والده ،اما أولاد يحي الفضل، وجعفر فكانوا اخوه هارون بالرضاعه ، منح هارون الرشيد البرامكه سلطات واسعه وغير محدوده فعين الفضل نائب له علي كل ولايات الشرق، وعين جعفر نائب له علي ولايات الشام ومصر وشمال أفريقيا .

_أمر الرشيد باستكمال بناء مدينه طرسوس في اقليم قلقيه وتعتبر من اهم المناطق الحدوديه المحصنه بين المسلمين والروم وسميت باسم العواصم لأنها كانت تعصم المسلمين من الروم 

وفي هذه الفتره استطاع إدريس بن عبد الله احد احفاد الإمام علي ابن ابي طالب "رضي الله عنه" الفرار من مكه والحجاز الي بلاد المغرب وهناك قام بتأسيس دوله الادارسه والتي تعتبر ثالث دوله اسلاميه منفصله عن الخلافه العباسيه يتم تأسيسها بعد كلا من الدوله الرُسْتُميه في الجزائر ودوله الاموين في الأندلس والتي تأسست بقياده الامير عبد الرحمن الداخل بالمعروف باسم سقر قريش كان عهد هارون الرشيد من من اطول عهود بني العباس وحدث فيه تمردات كثيره والتي تنوعت بين الخوارج والثورات التي قام بيها الطالبين احفاد الإمام علي ابن ابي طالب رضي الله عنه لجانب قيام أحدهم وهو يحي بن عبد الله بثوره علي الرشيد في اقليم خرسان ١٧٦ه‍ فارسل له هارون الرشيد جيش مكون من خمسين ألف جندي بقياده الفضل بن يحي البرمكي وعمل الفضل علي الصلح بين يحي وبين هارون الرشيد بدون أراق الدماء مقابل منح يحي الامان والعفو عنه لكنه بعدها امر بحبسه وفشل محاوله اعاده المغرب للحكم العباسي والتخلص من الطالبين ودولتهم وبسبب ذلك اشتدد حظر هارون الرشيد منه وبدأ في معاقبة اي شخص يميل إلى جانبه وامر بسجن كبار الطالبين وهو الامام موسي القاظم سادس ائمه الشيعه في بغداد واستمر في السجن طوله حياته.

كانت سياسةهارون الرشيد تجاه بلاد المغرب والدول المستقره فيه قائمه علي الاعتراف بالأمر الواقع وذلك بسبب بُعد هذه البلاد عنه وعن بغداد وفشلت كل محاولات العباسين في استعدادتها سواء في عهده أو في عهد جده الخليفه العباسي أبو جعفر المنصور وأصبح انقسام العالم الاسلامي وقيام عده دول مستقله فيه بدلا من دوله واحده امر مسلم به ويظهر في تعين الرشيد إبراهيم بن الاغلب علي اقليم أفريقيا وهي تونس وأجزاء من لبيا حاليا عمل إبراهيم بن الاغلب منذ توليه علي تأسيس دوله له ولاولاده من بعده ولم تكن طموحاته خفيه عن الرشيد فوافق هارون الرشيد علي استقلاله بدولته سنه ١٨٤ه‍ ٨٠٠م وذلك مقابل التبعيه الاسميه للخلافه العباسيه في بغداد وأن يرسل ضريبة سنويه للخليفه وخلال هذه الفترة كان هارون الرشيد يقوم بإرسال الحملات العسكريه بشكل مستمر علي بلاد الروم خلال فصل الصيف عرفت باسم الصوائف وفي ذلك الوقت كانت الإمبراطورية البزنطيه يحكمها الإمبراطوره ايريني ووصيه علي عرش ابنها الإمبراطور قسطنطين السادس لكنها قررت التخلص منه والانفراد بالحكم لصالحها وعقدت هدنه جديدة مع هارون الرشيد سنه ١٨٢ه‍ ٧٩٨م وأصبحت بشكل رسمي اول امبراطوريه في تاريخ الإمبراطورية البزنطيه والتي تعتبر الامتداد التاريخي للإمبراطوريه الرومانيه .

كان بطريك الفتكان في روما ليو الثالت يري في ذلك الوقت أنه لايمكن أن يكون المرأه في منصب الإمبراطور وذلك لرغبته في التخلص من نفوذ السيطره البيزنطيه عليه وعلي روما فقرر التحالف مع حاكم الإمبراطوريه الكارولنجيه شارلمان والذي يحكم كلا من فرنسا والمانيا وشمال ايطاليا وفي روما سنه ٨٠٠م قام ليو الثالت وبحضور عدد من رجال الدين والامراء والنبلاء بتتويج شارلمان كإمبراطور روماني ومنحه لقب الإمبراطور الروماني المقدس وتغير اسم الإمبراطوريه الكارولنجيه الي اسم الإمبراطوريه الرومانيه المقدسه ،ومن هنا بدأ في أوروبا تحالف الدوله والكنيسه واصبح الإمبراطور شارلمان اقوي شخصيه سياسيه وبعد ذلك بعامين ١٨٦ه ٨٠٢م قام وزير الماليه في الإمبراطوريه البيزنطيه المسمي بنقفور الأول بخلع الإمبراطوره وأعلن نفسه الإمبراطور البيزنطي وكان أول شئ عمله هو أنه اوقف ارسال الجزيه السنوية للخلافه العباسيه وأرسل إلي هارون الرشيد رساله كتبَ فيها "من نقفور ملك الروم إلي هارون ملك العرب اما بعد؛ فإن الملكه ايريني التي كانت قبلي اقامتك مقام الرُخ وأقامت نفسها مقام البيدق وحملت إليك من اموالها ما كنت حقيقاً بحمل أمثالها إليك لكن ذلك ضعف النساء وحمقهن فإذا قرأت كتابي فاردد ما حُصِّل قِبَلكَ من امولها وافد نفسك لما يقع به المبادرة إليك وإلا فالسيف بيننا وبينك "

وبعد أن قرأ هارون رساله نقفور غضب غضبا شديدا ورد عليه وكتب علي ظهر الرساله وقال :-

" بسم الله الرحمن الرحيم 

من هارون امير المؤمنين إلي نقفور كلب الروم اما بعد؛ فقد قرأت كتابك والجواب ما تراه دون ما تسمعه " 

وخرج هارن الرشيد علي رأس جيش كبير بلغ عدده 

١٣٥ الف جندي وتوغل بيه في الاناضول إلي أن وصل إلى مدينه هرقله وقام بحصارها واستولي عليها ودمر جميع تحصناتها واخد العديد من الغنائم والاسري سنه ١٧٨ه‍ ٨٠٣م ،فاضطر نقفور لطلب السلام ودفع حزيه قيمتها خمسين ألف دينار بشكل سنوي وذلك مقابل عوده هارون الرشيد بجيشه وعاد هارون الرشيد إلي مدينه الرقه .

وبمجرد وصوله نقد نقفور الصلح وعندما علم هارون بذلك أعاد تجهيز جيشه مره أخري في خلال فصل الشتاء ووصل هارون بالجيش الاسلامي إلي مدينه هرقله وحاصرها مره ثانيه الي أن استسلم جميع سكانها وتم فتح عموريه وانقره، وأعلن نقفور خضوعه لهارون الرشيد ودفع الجزيه المتفق عليها وتم تحرير جميع الاسري المسلمين في بلاد الروم ، وبعد هذا الانتصار الضخم اتجه هارون الرشيد إلي الحج. 

فقد تميز هارون الرشيد بسمات عديده وكلها سمات حسنه وجيده في مثل هذا رجل امير المؤمنين، فقد عرف عن هارون الرشيد أنه كان يحج عاما ويغزو عاما وقد اتخد خوذه مكتوب عليها حاج وغازٍ ويقال أن هارون الرشيد حج سبع مرات منها أنه حج في احدي المرات سيرا علي الاقدام من بغداد إلي مكه فقد كان الرشيد خليفه متديناً محافظا علي التقاليد الشرعيه حريصا على أداء الصلاة في اوقاتها ويكثر من صلاه النوافل ويصلي في اليوم مائه ركعه. استمر في المداومه علي ذلك إذ لم يكن هناك ما يمنعه من أدائها. وكان كثير الصدقات يوميا من ماله الخاص بألف درهم وأشارت المصادر إلي أنه أكثر الخلفاء بذلا للمال وقضي حياته بين الحج والغزو ولا يتخلف عن الحج إلا إذا كان مشغولا بالغزو.   

وفي الاعوام التي حج فيها كان يصطحب معه مائه حاج علي نفقته الخاصة اما في الاعوام التي يغزو فيها فكان يحج عنه ثلثمائه رجل بالنفقه والكسوه الفاخره ولما حضرته الوفاه وايقن بالموت امر بحفر قبره وختم فيه القرآن ثم ما لبث أن وقف علي حافه القبر قائلا " ياابن ادم تصير إلي هذا " 

نكبة البرامكه:_

وقد عرف البرامكه بخبرتهم الممتازه وقدرتهم علي تدبير شؤن الدوله العباسيه لكن قرر هارون الرشيد التخلص منهم بشكل مفاجئ والقضاء عليهم فيما عرف بنكبه البرامكه وذلك بعد رجوعه من الحج وامر بسجن كلا من يحي بن خالد البرمكي واولاده الفضل وجعفر وصادر جميع امولهم وأمر الرشيد خدمه مسرور بقتل جعفر. 

واختلفت الآراء والأسباب في قيام الرشيد بفعل ذلك مع البرامكه لكن الارجح هو علو شأن البرامكه بشكل كبير يكاد يفوق سلطه الرشيد ولكن لاتزال نهايه البرامكه لغز تاريخي احتار فيه المؤرخين .

انتشر في عهد الرشيد الامن والرخاء واصبحت الدوله العباسية هي اغني دوله في العالم وقت ذاك وتمتلك اكبر قوه عسكريه ,أسس هارون الرشيد مكتبه بيت الحكمه في بغداد وعين لأدراتها يوحنا بن ماسوي وكانت مكتبه دار الحكمه مفتوحه امام الدراسين ويقال أنه كان فيها ما يصل إلى مليون كتاب.

وبدأت بغداد خلال فتره حكم هارون الرشيد بالازدهار كمركز للمعرفه والثقافه والتجارة اهتم الرشيد جدا بالترجمه وفي عهده تم ترجمة العديد من الكتب مثل كتاب الأصول في الهندسه لإقليدس ،وكان للبرامكه دور كبير في دعم وتطوير مكتبه بيت الحكمه. 

-عمل هارون الرشيد علي التحالف مع الإمبراطوريه الرومانيه المقدسه بقياده شارلمان ضد كلا من الإمبراطوريه البيزنطيه والأمويين في الأندلس وتبادال الجانبين السفراء والرسائل سنه ٨٠٢م وارسل هارون الرشيد هادايا إلي شارلمان مكونه من الحرير والنحاس والعطور والعاج وفيل يسمي ابو العباس لجانب الساعه المائيه العجيبه 

كان الرشيد صاحب ثقافه عربيه واسعه ،ومحب الشعر والأدب ،وكانت مجالسه تضم الشعراء والأدباء والفقهاء والموسقين وكان يتناقش معهم ،ومن أشهر الشعراء في عهده ابو العتاهيه وابو سعيد الاصمعي بالاضافه لعالم الكمياء المشهور جابر بن حيان .

 وفي عام ١٩٣ه‍ ٨٠٩م اشتعل تمرد ضخم جدا في اقليم خرسان بقياده رافع بن الليث قاد هارون الرشيد جيشه وتحرك اليه لكن خلال مسيرته وتحديدا في مدينه طوس في إيران حاليا ينتهي عهد هارون الرشيد بعدما حكم مده ٢٣ سنه، وقد ذكر الطبري أنه كان في خزانه الدوله الاسلاميه في عهد هارون الرشيد تسعمائه مليون درهم وهو ما يعتبر ثروه ضخمه جدا .

وهارون الرشيد لم يكن هو الشخص السيئ الغارق في اللهو والفساد كما تصوره بعض الرويات وكما ذكر عنه في كتاب الف ليله وليله ولو كان بذلك الفساد لما دامت الخلافه الاسلاميه في عهده وسقطت ولكن الحقيقي مغاير لذلك تماما وهو أن عهد هارون الرشيد كان بدايه العصر الذهبي للحضاره الاسلاميه وانطلاقه في التقدم العلمي والمعرفه للمسلمين..